Sport.Ta4a.Us المكتبة الرياضية > علوم الحركة > مدخل عام لعلم الحركة


مدخل عام لعلم الحركة


29 مارس 2020. الكاتب : Tamer El-Dawoody

مدخل عام لعلم الحركة  

مقدمة: 

منذ وجود الإنسان على وجه الأرض وهو يعمل من أجل البقاء وكان من الضروري تنظيم حركاته الأساسية وتطويرها في سبيل العيش وسط ظروف البيئة القاسية. ومع مرور الزمن تنوعت وتعددت مهارات الإنسان حتى أصبحت متطلبات الوقت الراهن تتميز بسرعة الاكتساب، الأداء الجيد والدقة الكبيرة.


وبالغرم من التطور التكنولوجي الذي شهده هذا العصر والذي تمكن الإنسان من خلاله   الاستغناء عن الكثير من الأعمال الشاقة والمتعبة بفضل وجود العديد من الآلات والوسائل التي اخترعها لخدمته، إلا أن الأداء الإنساني وتبعا لطبيعة العمل الذي يمارسه يستوجب على الإنسان تطوير العديد من المهارات منها البسيطة كتلك التي يستعملها في المهام اليومية، ومنها المعقدة التي تتطلب قدرات إدراكية وحركية عاليتين كالمهارات الرياضية.      

ولقد شهدت السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا في البحوث والدراسات التطبيقية المرتبطة بعلوم الرياضة والتربية البدنية مما نتج عنه كما هائلا من المعلومات والمعارف التي ساهمت بشكل كبير في فهم أفضل للسلوك الحركي والأداء البدني، من بين هذه العلوم نجد علم الحركة.

-1 ماهية علم الحركة:

يعتبر علم الحركة أحد علوم الرياضة والتربية البدنية الذي يشمل عدة نظريات مرتبطة ببعض القوانين والأسس الفيزيولوجية والنفسية والميكانيكية، واحتلت هذه النظريات وضعا مميزا في الآونة  الأخيرة لتفسير النمو الحركي، كذلك عملية التعلم وتقويم الأداء لمختلف المهارات سواء البسيطة منها أو المعقدة  كالمهارات الرياضية المختلفة. كما يمكن القول أن علم الحركة يهتم بدراسة حركات الإنسان المختلفة باستعمال أسس نفسية فيزيولوجية (psychophysiologique) التي يمكن من خلالها تفسير كل الظواهر المتعلقة بالجانب النفس -حركي (psychomotricité)  كالنمو الحركي، التعلم الحركي، التحكم الحركي  إلخ.... هذا من جهة، ومن جهة أخرى يرتبط علم الحركة بأسس ميكانيكية لدراسة وتحليل وتقويم الحركة سواء من خلال شكلها الخارجي أي الكينيماتيك (cinématique)  أو من خلال القوى المؤثرة في سريانها أي الكينتيك (cinétique) وهذا ما يسمى بالميكانيك الحيوية (biomécanique).


هذا استنادا إلى ما جاءت به كل من المدرسة الأمريكية بقيادة فلتن و تومسن وكوفيل وذلك في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، والمدرسة الألمانية بقيادة كل من ماينل (Meinel)، وينتر (Winter)، شنابل (Shnabel) و كيلر (Keller)، وسوف نفصل بالتدقيق ما جاءت به المدرستين في الفقرة القادمة. وقبل أن نتطرق إلى تطور الاهتمام بدراسة الحركة عبر التاريخ ومكانته بين علوم الرياضة والتربية البدنية سوف نقدم بعض التعاريف الخاصة بعلم الحركة[1].


يعرف العالم الألماني ماينل علم الحركة بأنه " العلم الذي يبحث في الشكل الخارجي لسير الحركة"، وأضاف إلى ذلك حامد عبد الخالق مفهوم أعلى مستوى الأداء، إذ عرف علم الحركة بأنه "العلم الذي يقوم بدراسة الأداء الحركي للإنسان بغرض الوصول إلى أعلى مستوى تسمح به إمكانيات وطاقات البشر".

أما  أحمد بسطويسي (1996 ، ص18) يرى بأنه " العلم الذي يبحث في شكل وأداء وانتقال وسريان وتعلم وتطور وجمال حركات الإنسان المختلفة ليس فقط منذ ولادته وحتى شيخوخته، ولكن منذ الخليقة وحتى يومنا هذا، وعلى مر العصور".


مما تقدم يمكن تعريف علم الحركة كما يلي: "هو علم يهتم بدراسة السلوك الحركي للإنسان منذ ولادته وعبر مختلف مراحل نموه، باستعمال الأسس النفسية الفيزيولوجية من جهة والأسس الميكانيكية من جهة أخرى لغرض الوصول إلى الكفاية الحركية".


-2 التطور التاريخي لعلم الحركة: 

منذ القديم اهتم الإنسان بوضعيات جسمه المختلفة وحركاته المعبرة سواء كانت تتمثل في مهارات الصيد أو التحضير للقتال في الحروب أو طقوس دينية أو حتى حركات رياضية وهذا ما نلاحظه من خلال ما خلدته الإنسانية في بعض الأماكن من نقوش ورسوم وزخارف كالتي توجد بصحراء الجزائر الشاسعة أو في الشرق الأوسط مهد الإنسانية أو في القرى الأولمبية باليونان. وحاول الكثير من العلماء والفلاسفة دراسة حركات الإنسان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة منهم الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristote) 322-384 ق.م. وبعده العالم أرشميدس (Archimède)  212-287 ق.م. اللذان بفضل دراستهما للرياضيات والفيزياء وضعا علاقات بين نظرياتهم ومختلف حركات الإنسان، كدراسة أرسطو للروافع وأثرها على حركة الجسم، كذلك أرشميدس الذي درس تأثير الماء ومقاومته لحركات الإنسان.


وفي العصور الوسطى حيث كان لعلم التشريح الفضل الكبير لفهم وتفسير بعض الظواهر التي تخص الحركة عند الكائن الحي بصفة عامة (لأن معظم البحوث والدراسات كانت تجرى على الحيوانات)، ظهر الطبيب الروماني (من روما القديمة) كلوديوس جالان  (Galan) الذي أكتشف أن هناك مؤثرات تؤدي إلى سيال عصبي ينتقل بفضل خلايا عصبية من المخ إلى العضلات وينتج منه تقلص في العضلة وبالتالي حركة في المفاصل، وهذا كان بمثابة أول الاكتشافات في ميدان الحركة وكانت النتائج نقطة البداية للدراسات الأخرى التي طورت الكثير من النظريات المتعلقة بفيزيولوجية الحركة .


بعد العصور الوسطى ظهرت أعمال العالم والفنان الإيطالي ليوناردو دفنشي (Leonard Devinci) 1519-1452م الذي أهتم كثيرا بدراسة الحركات عند الإنسان ودرس علم التشريح على الجثث وكان أول من طبق قوانين الميكانيك على حركات جسم الإنسان ، وبعد دفنشي ظهر مواطنه العالم الفيزيائي جاليليو (Galilée) 1642-1564 م. الذي طبق المبادئ الفيزيائية على حركات الإنسان، ولم يكتفي تلميذه بورلي (Borelli) بمشاهدة وملاحظة وظائف الجسم ولكن انتقل إلى البحوث التجريبية لأكثر موضوعية في النتائج، وفي عام 1679م ألف بورلي أول كتاب خاص بعلم الحركة بعنوان "الحركة عند الحيوان" الذي تحدث و وصف من خلاله موقع مركز الثقل معتمدا على استعمال قوانين التوازن للروافع.


وفي القرن التاسع عشر وبالضبط عند ظهور الثورة الصناعية في أوروبا اهتم الكثير من الباحثين بدراسة الحركة عند الإنسان منهم العالم الألماني ويبر (Weber) 1804‌‌ـ1891 الذي نشر بعض النتائج لدراسة تحليلية لحركة الإنسان عام 1839م . كما قام الفرنسي ديميني (Demeny) 1850ـ1918م  بمساعدة مواطنه ماري (Marey) 1830ـ1904م بدراسة تقنية المشي السريع بالتحليل الفوتوغرافي.

ومن بداية الأربعينيات إلى غاية الستينيات من القرن العشرين قامت نخبة من الباحثين الأمريكيين في مجال علم الحركة بدراسة هذا العلم وكوّنوا ما سمّي بالمدرسة الأمريكية التي اعتمدت في دراستها على ربط الحركة بالأسس والقواعد والقوانين والنظريات الميكانيكية والوظيفية مهملين إلى حد كبير مدى ارتباطه بالعلوم التربوية عكس ما جاءت به المدرسة الألمانية في بداية الستينيات التي لم تعتمد في تحليل الحركة على أسس وقوانين ميكانيكية فقط، بل اعتمدت على المشاهدة والمتابعة والتجريب ثم إصدار الحكم كما أنها اهتمت بعلاقة علم الحركة بالعلوم التربوية المختلفة آخذين بعين الاعتبار تأثير النواحي التاريخية والاجتماعية والتربوية، كدراسة حركات الإنسان منذ ولادته وعبر مختلف مراحل نموّه ودراسة حركات الإنسان على مر العصور.

3- أهمية دراسة الحركة في عملية التعليم والتدريب:

الحركة بصورة عامة تعني الحياة والنشاط حيث خلق الله عز وجل الكون في حركة مستمرة (إلى أن يرث الله الأرض ومن فيها)، فهناك حركة النجوم والكواكب، حركة الأرض في ارتجافها واهتزازها من خلال البراكين والزلازل هذا يدل على استمرار حياتها، حركة السحب والوديان، حركة النبات والحيوان والإنسان. ومع الزمن بدأ نشاط هذا الأخير يتقلص بظهور الآلات والتطور التكنولوجي ومن تم ظهرت بعض الأمراض سمّيت بأمراض العصر مثل القلق، الاكتئاب، التشوهات المورفولوجية الخ...، وهذا ناتج عن قلة الحركة والنشاط، عدم الاستهلاك الكافي للطاقة الكامنة، قلة العلاقات بين الأفراد ...، إلاّ أن الإنسان استطاع بوعيه أن يحافظ على توازنه النفسي والبيولوجي من خلال ممارسته للرياضة التي أصبحت ضرورية لمعالجة مثل هذه الأمراض.


من البديهي أن يتساءل الإنسان العادي عن كيفية حدوث الحركة والآليات المشاركة في تحكمها وسريانها خاصة إذا كانت الحركات طبيعية وبسيطة كالتي تستعمل في الحياة اليومية، لكن بالنسبة للمختص في هذا الميدان لاسيما إذا كانت الحركات رياضية تتسم بنوع من الصعوبة فإن الأمر يختلف، لأن على مدرس التربية البدنية أو المدرب في اختصاص رياضي معين أن يعلم ويدرك بإتقان العوامل الفيزيولوجية والنفسية المؤثرة في الأداء الحركي، القوى الداخلية أو الخارجية المحددة لسريان الحركة، ومعرفة إمكانيات وقدرات الإنسان لأداء حركات معينة، الظواهر الوراثية والبيئية وقابلية الفرد في عملية تعلم المهارات الحركية الخ...، أي هناك عدة أسئلة تخطر على بال المختصين في المجال الرياضي الذين يجدون بلا شكّ عن الجواب من خلال ما وصلت إليه علوم الرياضة والتربية البدنية. غير أن ما يؤخذ من العلوم الأساسية التي اشتقت منها العلوم الفرعية أي علوم الرياضة يتم انتقاءه بحذر بحيث لا يصلح كل ما  يوجد في علم معين للتطبيق على حده في المجال الرياضي[2]  بل يتطلب الأمر أن تتكامل  المعلومات من جوانب متعددة بالتنسيق بين مختلف علوم الرياضة لفهم جيد للسلوك الحركي الإنساني.


كل علوم الرياضة تهتم بدراسة السلوك الحركي للإنسان على أسس ونظريات ومبادئ وقوانين التي وضعتها العلوم العامة. على سبيل المثال يعتبر علم النفس الرياضي جزء من علم النفس العام الذي من خلال نظرياته يمكن تطبيق البعض منها المجال الرياضي والتربية البدنية لدراسة تأثير النشاط البدني والرياضي على الجوانب النفسية(المعرفية والعاطفية) للشخص ومن تم يمكن وضع مبادئ تربوية وبيداغوجية لتحقيق بعض الأهداف في هذا الجانب، مثال آخر لعلم الاجتماع الرياضي الذي بدوره يستنبط بعض نظرياته ومبادئه من علم الاجتماع لدراسة العلاقات الفردية والجماعية من خلال النشاط البدني والرياضي. كذلك فيزيولوجية الرياضة التي تؤسس نظرياتها وقوانينها ( قوانين التدريب) على أسس بعض العلوم البيولوجية مثل علم التشريح، علم الوظائف الفيزيولوجية، علم الأنماط الخارجية، الكيمياء الحيوية الخ


فيما يخص علم الحركة فهو يعتبر حسب وجهة نظرنا لب هذه العلوم ومن أهمها لأنه يهتم بدراسة العوامل النفسية الاجتماعية، الفيزيولوجية والميكانيكية لفهم وتحديد عمليتي النمو الحركي، التعلم والتحكم الحركي حسب مختلف مراحل نمو الفرد والظروف المحيطة به، مع العلم أن كل هذه العوامل تؤثر سلبيا أو إيجابيا على تلك العمليات وخاصة منها عملية التعلم التي تعتبر أولى الأولويات لمدرسي التربية البدنية والرياضية. يمكن تفصيل ذلك من خلال بعض المواضيع التي تخص عمليتي التعلم والأداء الحركي مثل دور الانتباه، الإدراك، الذاكرة إلخ ، باعتبارها عوامل نفسية اجتماعية، دور القدرات الحركية والاستعداد البدني باعتبارها عوامل فيزيولوجية، دور الأنماط الجسمية كذلك الأجهزة والوسائل وحتى لظروف الخارجية من قوى مؤثرة على الحركة باعتبارها عوامل وظيفية وميكانيكية.

        وتعتبر عملية التعليم و التدريب في إطار النشاط البدني والرياضي من العمليات التي تتطلب معرفة جيدة وفهم كبير بما يدور حول المتعلم من عوامل مؤثرة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لذلك سوف نبدأ سلسلة الدروس المتعلقة بماهية الحركة عند الإنسان والعوامل النفسية الفيزيولوجية المؤثرة في عملية التعلم والأداء الحركي، هذا في مرحلة أولى ثم نتطرق إلى مدخل للميكانيك الحيوية ومحاولة تحليل بعض المهارات الرياضية من خلال دراسة الأشكال الخارجية للحركة من حيث القوى المؤثرة في سريانها.

·الدكتور بوخراز رضوان -  معهد التربية البدنية والرياضية - جامعة الجزائر. 


[1] بسطويسي أحمد    أسس و نظريات الحركة    دار الفكر العربي   القاهرة 1996 ، ص 18 .

[2] يحي كاظم النقيب  علم النفس الرياضي    معهد إعداد القادة ، المملكة العربية السعودية 1990  ، ص 26 .



العودة إلى الصفحة السابقة - المكتبة الرياضية -  www.sport.ta4a.us