Sport.Ta4a.Us المكتبة الرياضية > المناهج وطرق التدريس > المنطلقات الفلسفية للتربية الرياضية


المنطلقات الفلسفية للتربية الرياضية


23 سبتمبر 2013. الكاتب : Tamer El-Dawoody

 

 

المنطلقات الفلسفية للتربية الرياضية

دراسة مقدمة الى وزارة الشباب والرياضة

الاستاذ الدكتور :محمود داود الربيعي –جامعة بابل –كلية التربية الرياضية


لقد دخلت التربية الرياضية في حياة الإنسان قديماً وحديثاً عند معظم الدول والأمم والشعوب بالرغم من اختلاف ثقافاتها ، لكونها تلعب دوراً في حياتهم بشكل مباشر أو غير مباشر ، ولهذا تغيرت أغراض التربية الرياضية فنجدها قديماً عند المجتمعات البدائية وثيقة الارتباط بالدين ، والطقوس الدينية ، إلى درجة انه حتى العاب الكره البسيطة كانت لها دلالات معينة عند القبيلة التي تلعبها . والعديد من الألعاب كانت محاكاة لبعض الأعمال الحيوية كبذر الحبوب او جمع المحصول ، او صورة للأعمال السحرية وتمارس هذه الألعاب لحث المزروعات على النمو او لجعل المحصول وفيراً .

 

ومع ذلك فقد كانت هذه الألعاب تنظم على نطاق محلي ولم يكن لها شان بتحسين سرعة الإنسان وقوته ورفع مستواه بل ان كسب العيش والرغبة في ممارسة حياة أفضل كانت أحدى الدوافع لممارسة الأنشطة الرياضية التي كانت جزء من نظام الحياة اليومية للإنسان البدائي ، لهذا لم يكن هناك برامج منظمة ولا توجد فترات مخصصة لممارستها ، بل كان التركيز يتم في البحث عن الطعام ومواجهة الطبيعة والبيئة من اجل البقاء على قيد الحياة . فالأجسام القوية والأجهزة العضوية السليمة كانت هي القاعدة بين الشعوب البدائية ، وكان الإنسان يحصل على كفايته من النشاط ألبدني في محاولته الحصول على طعامه ، وفي أقامة مأوى يقيه من الأعداء والحيوانات ومن البيئة ألمعاديه له .

وبما أن الإنسان بطبيعته يميل إلى ممارسة الأنشطة الحركية من لعب اوعمل سواء أراد ام لم يرد ، لهذا نجد أن الدافع النفسي للاشتراك فيها يتصف بالحاجة والضرورة . وان هناك ميولاً معينة في الإنسان يرجع إليها السبب في ممارسة الأنشطة الرياضية ، التي يكون الدافع أليها داخلياً غرضه ألمتعه والاستجمام .

ونلاحظ أن في الحضارة الصينية القديمة هناك بعض الأدلة على ممارسة بعض ألوان النشاط ألبدني بالرغم من الاهتمام بالامتياز الذهني نتيجة تأثير تعاليم الديانة الطاوية والبوذية التي تدعو إلى حياة تتسم بالدراسة والبحث والهدوء والتأمل .ألا أن هناك ألعاب شائعة مثل المصارعة والملاكمة وكرة القدم والبولي وشد الحبل والألعاب المائية والطائرة وغيرها كانت تمارس من قبل الصينيين القدماء ، أما الرقص اوالرماية بالنبال فكانت تمارس من قبل إبناء الأسر الثرية .

أما في الهند القديمة فكانت تعاليم بوذا تنادي بالامتناع عن ممارسة الألعاب او التمتع ببعض اللهود والنشاط ألبدني ، الا أنها لم تمنع الناس من ممارسة بعض الأنشطة الرياضية مثل ألعاب الرشاقة وسباق العربات وركوب الخيل والأفعال والمبارزة والمصارعة والملاكمة والرقص واليوغا التي تشتمل على تمرينات للقوام والتنفس المنظم تضم 84 وضعاً مختلفاً . وحدثت نقطة تحول في فلسفة التربية الرياضية خلال الحضارات القديمة لمصر وأشور وبابل وفارس وسوريا وفلسطين حيث لم تقتصر على الأمور الدينية والذهنية ، بل تحولت الى الاعتقاد في الحياة الكاملة المليئة والتي تحولت فيها أنواع الأنشطة الرياضية في تحقيق هذا الغرض .ولهذا نظر الناس الى التربية الرياضية باعتبارها فرصة لبناء جيش قوي شديد لبأس . إضافة الى ممارسة البعض بانتظام للفروسية والرماية والرياضيات المائية واعتبروها على قدم المساواة مع التعليم الذي يتميز باهتمامه بالناحية الذهنية .

وكان الإغريق أول من مارس الألعاب الرياضية على نطاق واسع ، فقد كانت اللياقة البدنية عندهم وثيقة الصلة بالدين ، والألعاب الاولمبية تقام تكريماً للآلهة ، والمقاتلون يتدربون على الرياضة البدنية وتمارين الألعاب وكان الإغريق ومن بعدهم الرومان يؤمنون بامكان تطوير كل من العقل والجسم وتنميتها ، بحيث يبلغون مرتبة الكمال الإنساني ، وهذا ما دفع فلاسفتهم من أمثال أفلاطون الى الدعوة الى جعل الألعاب الرياضية تقليداً قومياً . بيد ان هذا الاهتمام المنظم بالرياضة وهو مختلف تماما عن الألعاب المحلية ووسائل التسلية ما لبث ان اضمحل بسقوط الإمبراطورية الرومانية .

أما فلسفة التربية الرياضية حديثاً فلم تبدأ الا في القرن التاسع عشر حين احتلت الرياضة مكاناً مرموقاً . ورغم ان جان جاك روسو (1712- 1778) كان أول كاتب كبير أكد أهمية التمارين الرياضية لبقاء الجسم سليماً الا أن دراسة الألعاب الرياضية دراسة جدية لم تبدأ الا في ألمانيا في القرن التاسع عشر ، حيث انشأ فريد ريش لودقيج جان (Friedrich Ludwig Jahn) ( 1778- 1852) وهو مدرس ألماني مدرسة الألعاب الرياضية طور فيها للألعاب باستعمال أجهزة وأدوات رياضية وفي سنة 1818 م ، افتتحت في برلين أول مدرسة من هذا الطراز وسرعان ما غدت الحركة واسعة الانتشار ، وكانت المدرسة تقوم بأعداد المدربين الذين يسافرون الى البلدان الأخرى لترسيخ الاهتمام بالألعاب الرياضية .

وفي نفس الوقت وفي السويد ابتكر طبيب للألعاب الرياضية يدعى بير هنرينك لنج(Per Henrlik Ling) ( 1776- 1839) طريقه للتمرينات الحرة وذلك لإحراز تناسق بدني ونتائج علاجيه وادخل في اكاديميته التدريبات ألعسكريه أيضا .وقد ذاع صيته لكون أسلوبه الرياضي مبعثه الخصائص الشفائية الذي اشتهر باسم الألعاب السويدية او التمارين السويدية وقد أدخلت تدريباته التناسقيه في العديد من المدارس والمعاهد .

وشهد القرن التاسع عشر أيضا هجرة لبعض الألمان الى الولايات المتحدة الأمريكية وانتشار الألعاب الرياضية الألمانية هناك . وقد انشأ الاخوه بيش (Bech) في الولايات الشرقيه مدارس للألعاب الرياضية (1825) استخدموا فيها الأجهزة الرياضية وخاصة في هارفودHarverdويرجع أساس الاهتمام الأمريكي بالرياضة الى ذلك التاريخ .

ويرجع الكثير من تنظيم الألعاب الرياضية في انجلترا في القرن التاسع الى أصلاح المدارس ألعامه فالطلبة في ذلك العهد كانوا مشاغبين ينزعون الى المشاكسة وكان التعليم سيئاً وذلك الى ان عين الدكتور ارنولد (Dr Arnold) الشهيد في مدرسة رجبي سنة 1827 ، فأصبحت للرياضة أهمية اكبر في المناهج ألمدرسيه فاستخدمت للتدريب على أساس روح الفريق من احد عشر لاعباً في كرة القدم في ستينيات القرن التاسع عشر . كما انشئ اتحاد كرة القدم في 1863 . وفي نهاية القرن التاسع عشر كانت الخطة المناسبه قد نضجت وتهيات لدمج التدريبات الرياضية بالالعاب وفي سنة 1894 قام عالم فرنسي هو البارون بيبر دي كوبرتان (Pierre de Coubretin) (1863-1937) بدعوة الشعوب الى اجتماع يعقده بجامعةالسوربون (Sorboone) في باريس . وكان هذا العالم ماخوذاً بالمثل العليا للاغريق عن الالعاب الاولمبية يتمنى ان ينشرها في العالم كله باسلوب يتسم بالمنافسة ولكن على اساس السلام .

وقد اقيمت اول دوره اولمبيه في العصر الحديث في سنة 1896 في اثينا .تنافس فيها 230 رياضي من 13 دولة في 9 العاب واستمرت هذه الدورات بأزياد عدد الدول المشاركه في دورة اثينا الاولمبية عام 2004 ايضاً والتي قاربت (200) دولة وشارك فيها ما يقارب ( 13000) لاعباً من النساء والرجال يتنافسون في اكثر من 300 مسابقة .

وتميزت الألعاب الحديثه بارتباطها الوثيق بالألعاب الرياضية السابقة التي أصبحت تمارس اليوم بطرق علميه وأصبح التنافس بين الدول على الحصول على المداليات والفوز بها من سمات الفلسفة الرياضية المعاصرة لمعظم دول العالم .

وفي عصر العولمة (Globalization)التي تهدف الى تذويب الهوية الحضارية والثقافية للامم في بنية إنسانية اشمل تعتمد على إقصاء وقمع ألخصوصي كمحتوى عالمي ارتقائي الى احتواء العالم في مشروع اختراق الأخر وسلبه وتحويله الى وعي زائف لإحداث اختلال في معادلة التوازن وصولاً الى تقنين وتمييع أكثر شمولاً قائم على إحداث صدمه من خلال جملة تغيرات ، لهذا نجد ان فلسفة التربية الرياضية قد تغيرت بشكل جذري عند معظم الدول والأمم والشعوب وذلك بإحداث انقلاب بالنظم الفكرية للإنسان وشلها للسيطرة على سير حركته وتحولاته .

وعلى الرغم من ان العولمه نستطيع من خلالها الحصول على المعلومات وبارخص الاثمان وعلى التكنولوجيا الحديثة باسعار مغرية ولا يمكن منعها عن الناس ، الا اننا نجدها في مجال الرياضه قد تحولت الى تجاره احتراف ومكاسب مادية بعد ان كانت تعتمد الهوايه والوطنية ، وحتى يمكننا مواجهة العولمة الرياضة التي اغرت الكثير من اللاعبين والمدربين لترك بلدانهم وتحولهم الى محترفين يبيعون انفسهم نتيجة العوز وعدم دعمهم مادياً للبقاء في وطنهم ، وجب على الجميع التفكير بفلسفة رياضية جديدة ينطلقون من خلالها الى عولمه رياضيه تحميهم من الامور المستورده التي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على الجميع وبمختلف المستويات الرياضية .

وعلى اساس ما تقدم فان المنطلقات الفلسفية للتربية الرياضية قديماً وحديثاً هي تعبير عن خصوصيات الشعوب الممارسة لها ، لهذا نجدها مختلفة ما بين دولة واخرى وفق توجهاتها التي بدورها تنعكس على شعوبها . وهذا ما اكده الكاتبان الفيلوسفان ردن ورايان (Redden and Ruyan) على ان الفلسفة توجه الفرد في اكتساب نظرة متماسكه للحياة وقيمها ومعناها واهدافها القريبة والنهائية للسلوك الانساني بوجه عام .


العودة إلى الصفحة السابقة - المكتبة الرياضية -  www.sport.ta4a.us